منوعات

ازدياد ظاهرة خلـع اللاجئات السوريات لحجـابهن في أوروبا.. ماذا يقول الشرع والقانون والعرف؟

وصفت بعض اللاجئات السوريات لحظات خلع حجـابهن بنقطة تحول جذري في حياتهن بينما اعتبرت أخريات أن قرارهن لم يقتصر على المظهر الخارجي بل تخطى حدوداً اخرى وسط تباين في الآراء واختلاف وجهات نظر المختصين والناشطين.

وقالت الشابة السورية “سوزان الصغير” بحسب ما نشرت زمان الوصل ورصدت الوسيلة: ” كان عشائي الأول مع الأصدقاء، لحظات مرت كنت خلالها كمن يبحث عن هويته التي فقدها في بلاد الغربة القسرية، شعرت بأنني أفقد خيطاً جديداً من الخيوط التي تربطني ببلدي وثقافتي”.

وأضافت الصغير أن بينها وبين الحجاب قصةُ ارتباطٍ “اختياري” تعود لأكثر من 17 عاماً.

وأشارت الصغير إلى أن قرار خلع الحجاب تطلب شهورا من التفكير والكثير من الجرأة ليتحول إلى واقعٍ وجدت نفسها مضطرةً للتعامل معه على حد وصفها.

أما ابنة الـ32 عاماً فقد بدأت بالتردد أمام فكرة خلع الحجاب مع وصولها إلى فرنسا قبل حوالي أربعة أعوام.

وقالت: “كان جميع من حولي يؤكدون أن لا فرصة لي مع هذا الحجاب، وأنني أحكم على أحلامي بأن لا تتخطى حدود أن كون ربة منزل”.

ولفتت إلى أن هذه الضغوط لم تنقص من الأمل لديها، ما جعلها تتقنُ الفرنسية خلال فترة قصيرة وفقاً لقولها”.

وأضافت “كل محاولاتي لإيجاد فرصة عمل كانت تصطدم بكوني محجبة، فنظرة من صاحب المؤسسة لحجابي كانت كفيلة لإدرك أن الرفض أصبح واقعاً حتى قبل الاطلاع على إمكانياتي المهنية أو العلمية”، مؤكدةً أن الموقف كان يتكرر ليس في المؤسسات الفرنسية وحسب، وإنما حتى في نظيراتها العربية التي حاولَت العمل بها.

وأكدت “سوزان” أن ردود الأفعال خلال أسابيع من خلع الحجاب أوحت لها بأنها ستكون أمام مشكلات من نوع جديد، فخلع الحجاب قربها أكثر من المجتمع الغربي، إلا أن رفض الكثيرين من أبناء جلدتها وسع المسافة بينها وبين المجتمع الشرقي على حد وصفها.

وتابعت “سوزان”: “والدي والدتي وزوجي كانوا ممن تفهموا الأمر واعتبروه قضيةً شخصية، وهو ما شجعني على مواجهة موجة الرفض التي قابلني فيها الكثيرين من الأصدقاء والأقارب دون أن يضعوا انفسهم في مكاني أو يعيشوا ظروفي”.

أما الشابة “سمر” (اسم مستعار) فقد خلعت حجابها في وقتٍ متأخرٍ من العام 2017 بعد حوالي ما يزيد عن ست سنوات من ارتدائه بحسب ما ذكرته لـ”زمان الوصل”.

وأضافت: “قراري ليس مرتبطا بالعمل ولا بالخوف من العنصرية كوني أعيش في بلدٍ مسلم، إنما أسبابي شخصية بحتة، فالحجاب كان يمنعني من القيام بالكثير من الأمور التي كنت أرغب بالقيام بها، كما كان يَفرض عليَّ نوعاً محدداً من اللباس ويحرمني من آخر”.

ونوهت سمر إلى أنها باتت تشعر بأنها أقرب إلى نفسها وشخصيتها، على اعتبار أنها تحررت ليس من الحجاب، وإنما من القيود التي يفرضها المجتمع على المحجبة.

كما رفضت سمر ما تردد عن دور الحجاب في الحد من طموح المرأة في العمل وبناء مستقبلِها.

أما دكتورة علم الاجتماع السياسي “خلود الزغير” اعتبرت القضية كشكلٍ من أشكال التمرد على سلطة الثقافة الأبوية، معتبرةً الجدل حولها ينبع من أسباب سلطوية في مجتمع لا تزال المرأة فيه تابعة للرجل الذي يسعى من خلال المعتقدات الدينية والتقاليد الاجتماعية للمحافظة على ملكيته لها وإخضاعها على حد قولها.

وبينت “الزغير” أنه في أماكن العمل الفرنسية تحديداً تُحظر جميع الرموز الدينية سواء الإسلامية أم غيرها، ولكن مشكلة الحجاب تبدو الأكثر جدلاً نتيجة ردود الأفعال تجاهه.

ولفتت الدكتورة “الزغير” إلى أن الدستور الفرنسي يقوم على مبدأ العلمانية التي تضمن حرية الإيمان لجميع المواطنين واحترام جميع المعتقدات في حين يتبنى شعار الجمهورية ثلاث مبادىء: الحرية، العدالة والمساواة، ما يدفع الدولة من وجهة نظرها للسعي لتطبيق قيمها ومبادئ دستورها في مؤسساتها، مضيفةً: “وجود الرموز الدينية داخل المؤسسات الحكومية قد يُخل بمبدأ المساواة بين الأديان الموجود في فرنسا”.

ولفتت “الزغير” إلى أن قرار خلع الحجاب لا يتخذ اليوم فقط من أجل الحصول على فرصة عمل، بل وبحسب ما عبرت عنه الكثيرات باتت خطوة تمثل نزعة نحو الانعتاق من التشيؤ الذي يمثله ويعكس وعي المرأة بذاتها ككائن يمتلك جسده كما يرفض النظر له كعورة بل كجسد عاقل على حد وصفها.

وأكد الشيخ أبو الطيب الكوكي أن الحجاب لم يكن في أي وقتٍ من الأوقات ظاهرة أو عادة إجتماعية حتى قبل مجيء النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

وأضاف الكوكي: “الحديث عن خلاف بين علماء الدين حول الحجاب غير واقعي فلا جدال فيه، إنما هناك خلاف هامشي وفرعي حول تغطية المرأة وجهها أي النقاب”.

بينما أشار الباحث الإسلامي الدكتور “حسن أبو هنية” إلى أن الحجاب لدى بعض الشرائح أو الأطياف الإسلامية يُعتبر كشيء مستحب ورمز للتدين وليس فرضا، تماماً كما هو الحال بالنسبة لذقن الرجل لدى السلفية بأن تربيتها مستحبة، أما حلقها فهو ليس بالإثم على حد وصفه.

وأضاف: “القضية لها جوانب عديدة في المنظور الواقعي الإسلامي، وتأثرت بالكثير من الفترات التاريخية التي مرت على المنطقة العربية لا سيما خلال فترة الاستعمار ومحاولات تغريب المرأة الشرقية أو المسلمة أو المجتمعات العربية ككل، ما دفع الكثير من رجال الدين للتشدد في قضية الحجاب كخطوة لترسيخ الهوية وثبيتها”.

ونوه أبو هنية إلى أن أسباب خلع الحجاب في أوروبا مقبولة ومنطقية على اعتبار أن الإسلام يطبق في هذه الحالة “قاعدة الضرر”.

ولفت إلى اجتهادات مجلس الافتاء الأوروبي التي أكدت أن لا مانع من خلع الحجاب إذا ما سبب مشاكل للمرأة كما في حالة البحث عن عمل أو الخوف من التعرض للهجمات العنصرية، الأمر الذي رفضة الكوكي.

وتقاطع رأي الكوكي و”أبو هنية” في نقطة مسؤولية الرجل عن خلع زوجته أو إحدى محارمه للحجاب، منوهين أنه في كل الحالات الرجل لا يتحمل أي مسؤولية شرعية عن هذا الخطوة على اعتبار أنه قرار المرأة وهي المسؤولة عنه، لبيقى دور الرجل منحصراً بالنصيحة.

من جانبه, بين المستشار القانوني المحامي “بسام طبلية” أن القانون الأوروبي واضح فيما يتعلق بالحرية الشخصية ومن كافة المجالات وتحديداً حرية الممارسات الدينية بما فيها ارتداء الحجابز
وأكد أن القانون العام في أوروبا يمنع أي صاحب عمل من رفض أي متقدمة لوظيفة بسبب حجابها.

وأضاف: “أي سيدة تُثبت أنها رُفضت من وظيفة بسبب ارتدائها الحجاب يمكنها أن ترفع دعوى في العديد من الدول الأوروبية على الشركة وتطالبها بتعويض، وهو ما شاهدنا حدوثه مؤخراً في بضعة حوادث مشابهة”.

كما ربط “طبلية” قضية الحجاب وعمل المرأة بالكثير من الشركات العربية الموجودة في أوروبا ذات رؤوس الأموال الضخمة التي لم تتخذ أي خطوات لتكون فرص عمل بديلة للمحجبات أو العربيات.

وأردف: “هنا أيضاً تتحمل الشركات العربية والإسلامية جزءاً من المسؤولية حول معاناة المرأة المحجبة بالبحث عن فرصة عمل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى