منوعات

مقام ”أبو طاقة“ الخاص بالطائفة العلوية في سوريا

يلجئ الأشخاص في الأعراف المحلية والدولية وحتى العالمية إلى القضاء والمحاكم لفض الخلافات والنزاعات بين الأشخاص، هذا هو الأمر المتعارف عليه، ولكن هل يمكن اللجوء لشي آخر لتقرير من هو صاحب الحق ومن هو المخطئ؟

في سوريا؛ يبدوا بأن هناك مجالاً آخراً بعيداً كل البعد عن القوانين والدساتير، مختصٌ باتخاذ قرار لا لبس فيه (على حد قول فئة معينة من الناس) عن كون الشخص مذنباً أم بريئاً.

أبو طاقة، أغلب السوريين يعرفون ما هو هذا المكان وما هي ماهيته، وخصوصاً أبناء الطائفة العلوية (أو النصيرية نسبةً إلى مُؤسس هذه الطائفة وهو محمد بن نصير في القرن التاسع الميلادي أو الثالث الهجري)، الطائفة التي يسكن أغلب معتنقيها غرب سوريا (اللاذقية وطرطوس وريف حمص وحماة بشكل رئيسي)، وشمال لبنان (جبل محسن)، ولواء اسكندرون (هاتاي) أقصى جنوب تركيا.

ما هو أبو طاقة؟

هو مقام لشيخ يُدعى بـ«يوسف بن عفيف الدين من آل جعفر بن أبي طالب»، وهو أحد أولياء الطائفة العلوية، وافته المنية في عام 450 للهجرة، ويعرف هذا المقام شعبياً باسم «أبو طاقة» وهو مقام علوي (مزار كما يقال عنه في اللهجة السورية المحكيه) وأسطورة دينية قديمة لا يزال الناس يتداولونها إلى الآن.

أين يقع أبو طاقة؟

يقع هذا المقام في قرية «ربعو» الواقعة شرق مدينة مصياف التابعة لمحافظة حماة السورية.

مقام أبو طاقة الخاص بالطائفة العلوية في سوريا
صورة: صفحة قرية ربعو على فيسبوك

لماذا بُني هذا المقام؟

هناك إشاعة تقول بأن أحد زعماء الطائفة الإسماعيلية من عائلة الأيوبي في مصياف كان مريضاً جداً فرأى في منامه الشيخ يوسف بن عفيف، والذي بدوره قال له: ”شيد فوق مقامي قبة، تُشفى من مرضك للأبد“.

ما سبب شهرة هذا المقام؟ وما هي آلية عمل الطاقة؟

يدّعي أبناء الطائفة العلوية بأن الفتحة الموجودة في جدار المقام الجنوبي (الطاقة) والتي لا يتجاوز طولها 32 سم وعرضها 23 سم تستطيع حل أي نزاع بين شخصين في أي قضية، سواء أكانت قضية سرقة أو جريمة قتل، وحتى أنها تكشف كذب الشخص مهما كان بسيطاً، وهناك نسبة لا بأس بها من العلويين يأتون إلى هذا المقام لحل خلاف ما، حيث يُقسم المتهم أمام المدّعي على كتابه المقدس ثم يهم بالدخول في الطاقة من داخل المزار، فإن كان صادقاً يخرج من الطرف الآخر المطل على الخارج بسهولة وانسيابية مهما كان وزنه وشكل جسده، وإن كان كاذباً تحتجزه الطاقة ويعلق بين زواياها مهما كان نحيلاً ولن يتمكن من الخروج حتى يقول الحقيقة.

مقام أبو طاقة الخاص بالطائفة العلوية في سوريا
صورة: صفحة قرية ربعو على فيسبوك

طبعاً يجدر بنا القول والتنويه بأن الموضوع لا يؤمن به جميع أبناء الطائفة العلوية، بل هناك مؤمنون من نفس الطائفة يقولون بأن هذا الأمر ما هو إلا خزعبلات يجب تلافي الخوض بها كي لا تصبح الطائفة موضوع سخرية من بقية الطوائف.

ما مدى شيوع الاحتكام إلى المزار في حل الخلافات؟ وهل يوجد بند في الدستور السوري يتيح الاحتكام له بين أبناء الطائفة نفسهم؟

كما يبدوا فأن نسبةً لا بأس بها من العلويين تلجئ للمزار، فإن قمت بجولة في الساحل السوري وسألت عينة من الناس هناك عن ما إن كانوا يصدقون القدسية والقوى العجيبة التي تمتلكها هذه الطاقة، فإن نسبة لا يستهان بها تؤمن وتثق بقدرة الطاقة السحرية، لا وبل سيبدؤون بإعطائك تجارب لأقربائهم ولأصدقائهم تثبت وجهة نظرهم.

أما بالنسبة للقانون السوري فلا يوجد فيه أي نص يقبل الاحتكام إلى مزار أبو طاقة أو أي مقام ديني مشابه آخر لكي يستطيع القاضي إصدار حكمه النهائي، فقبول القاضي بأخذ المتهمين إلى المقام هو عرف محلي خارج عن القانون الوضعي، وإذا تم الاحتكام إلى شهادة أبو طاقة وحدها كدليل ملموس، فعندها يعتبر هذا خروجاً عن القانون ويُعاقَب القاضي عليه.

في بعض الأحيان يقوم الناس بالعدول عن الذهاب إلى المحاكم والذهاب إلى المقام فوراً تحت رضا الطرفين وأمام الناس وخادم المزار (شخص بمنصب شيخ يقوم بالاهتمام بكل ما يخص المزار من نظافة ورتابة وغيرها من الأمور)، وهناك أشخاص فعلاً يعدلون كلياً عن اتهامهم إن استطاع المتهم الدخول في الطاقة والخروج دون أن يعلق ويقرّون ببراءته، الخلاصة: الدستور السوري لا يجيز الاحتكام إلى أي مقام ديني كحل للخلافات عوضاً عن القضاء والمحاكم.

مقام أبو طاقة الخاص بالطائفة العلوية في سوريا
صورة: صفحة قرية ربعو على فيسبوك

الأثر النفسي للمقام بين الناس:

في بعض المناطق العلوية السورية؛ يُعتبر مجرد الذهاب إلى ذلك المقام عاراً وعيباً وحتى لو ثبُتت براءة المتهم من خلال مروره ضمن الطاقة، لأن مجرد الذهاب إلى هناك سيسبب إطلاق مئات الشائعات حول المتهم قد تدوم لعشرات السنين، ويصبح موضع اتهام عند أي مشكلة أو سرقة تحدث في المنطقة لكونه صاحب سوابق.

ونتيجة هذا الأمر أيضاً فإن مجرد التهديد بالذهاب إلى المقام يدفع المتهم في بعض الأحيان إلى الاعتراف بجرمه إن كان فعلاً قد اقترفه، ويندفع إلى حل الأمور بينه وبين المدّعي دون اللجوء للقضاء ولا إلى للمقام.

سألنا نحن طاقم دخلك بتعرف بعض الأشخاص السوريين العلويين حول أمر هذه الطاقة وهذه كانت آراؤهم:

قال الشاب (م.أ): ”على الرغم من أنني لم أرَ الطاقة فأن بعضاً من معارفي قد تكلموا لي عنها وجربوها وتبعاً لهم فهي صغيرة جداً جداً، يأتي شيخ ويجعلك تقسم داخل المقام بأنك لم ترتكب أي جريمة أو لم تسرق أو لم تشهد زوراً …وإلخ، وبعدها تدخل داخلها، وفعلاً إن كنت صادقاً تمر عبرها مهما كان وزنك حتى لو كنت سميناً جداً، وفسر لنا هذا الشاب الأمر بقوله إن الطاقة بُنيت بعلوم نفسية روحانية وليست نفسية فقط، فعند مرورك داخل الطاقة إن تلبكت قليلاً بخطيئتك هنا ستقوم الطاقة بامساكك، ولن تفلتك حتى تعترف بالحقيقة“.

وقال الشاب (ر.م): ”مقام قرية ربعو يملك خصوصية معينة، وهناك داخل المقام طاقة تطل على جهتين، الأولى داخل المقام والأخرى خارجه، يقوم شخص بتحليف الشخص داخل المقام على موضوع معين ويدخله في الطاقة، فإن تمكن من الخروج منها فهو صادق، وأنا شاهدت شخصاً سميناً بعيني هاتين يدخل ويخرج من هذه الطاقة، وأنا أؤمن بهذا المقام وقدرته على كشف الكذب، إنه معجزة“.

قال الشاب (ن.ع): ”أنا لم أمر بهذه التجربة شخصياً ولكنني أعرف أناساً مروا بها وأخبروني بتفاصيل القصة، ولكنني لا يمكنني الجزم بأنهم لم يمروا بضغوط نفسية أو أنهم كانوا مقتنعين بصحة قدرة هذا المقام مما جعلهم ينحازون تأكيدياً لكونه مقاماً معجراً، ولكن أنا كرأي شخصي لا يمكنني أن أحسم موقفي من الموضوع، قد يكون صحيحاً وقد لا يكون“.

قال الشاب (ع.ف): ”لم أر الأمر بأم عيني ولكنني شاهدت فيديوهات لأناس من نفس المنطقة التي أعيش بها ذهبوا إلى هناك، وفعلاً ثبُت صدقهم أو كذبهم هناك، منهم من اتُهم زوراً وهو بريء، وعندما ذهب إلى هناك أقسم ومر عبر الطاقة وتم إعلان براءته، وأنا أؤمن بهذا الموضوع وأؤمن بكونه معجزةً موجودة في عصرنا الحالي بشكل شخصي لأنني شاهدت الطاقة (لم أشاهد عملية مرور أحدهم ولكني شاهدتها هي بعيني) وهي صغيرة جداً ولا يمكن أن يمر شخص سمين منها – مثل الشخص الذي تكلم لي عن تجربته – من دون أن يكون هناك أمر رباني خلف هذا المقام، فعلاً إن الطاقة معجزة“.

قال الشاب (ق.غ): ”أنا لم أشاهد الأمر بعيني، أنا لا أؤمن بشيء نتيجة كلام أناس قد ينحازون لعدة أمور منها التربية المنزلية الدينية وغيرها، ولكن إن شاهدت هذا الأمر بأم عيني قد أؤمن بالطاقة وقدرتها، لم لا؟“

بعض من الاقتراحات التي تفسر هذا الأمر من وجهة نظر بعيدة عن التفسير المعجز نوعاً ما:

  • الأشخاص النحيلون هم من يمرون من الطاقة والسمينون لا.
  • هناك خدعة من الشيخ خادم المقام نفسه تتعلق بالطاقة فهو من يقرر من الكاذب ومن الصادق.
  • مواد مزلقة مثلاً توضع على حواف الطاقة لتسمح للأشخاص بالنفاذ.

وغيرها الكثير.

في النهاية هناك الكثير من الفيديوهات على اليوتيوب تظهر عبور الأشخاص للطاقة واحتجاز بعضهم ضمنها يمنكم رؤيتها من هنا:

ومن هنا:

وأنت هل تعرف شيئاً ما حول هذا المقام وطاقته؟ هل تؤمن بها؟ شاركنا رأيك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى